top of page

"إسرائيل" الحاضر الغائب في المفاوضات الإيرانية الأميركية



أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين 7/4/2025، أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن نيته إجراء مباحثات مباشرة مع طهران. وقد جاء الإعلان مفاجئًا، وعبّر عن خيبة أمل إسرائيلية من هذه السياسة، التي تضع الملف النووي الإيراني في إطار الحوار والتفاهم والتفاوض، بدلًا من الخيار العسكري ورفع العقوبات الاقتصادية التي اعتمدتها الولايات المتحدة.

وفيما يسعى ترامب للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي بالطرق الدبلوماسية، يتمنى نتنياهو فشل المفاوضات واللجوء إلى الخيار العسكري.

وأكدت طهران أن محادثات ستُجرى يوم السبت 12/4 في سلطنة عُمان، وسط غموض حول طبيعتها، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة. وبشأن مستوى التمثيل، أكد ترامب أنها لن تكون عبر وكلاء، بل على أعلى مستوى تقريبًا. وأعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن إجراء محادثات غير مباشرة رفيعة المستوى، وأعرب عن أمله في أن تكون المفاوضات عقلانية وحكيمة، موضحًا أن الدخول في مفاوضات يقتضي تقديم تنازلات مقابل الحصول على امتيازات. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن طهران منفتحة على التفاوض المباشر مع واشنطن إذا سارت المفاوضات غير المباشرة بشكل جيد.

ودار جدل حول سقف ما يمكن مناقشته في الاجتماع، بدءًا من اتفاق مؤقت لحين التوصل إلى اتفاق شامل، إلى تحديد شكل التفاوض لاحقًا، وما إذا كان سيشمل ملفًا تفاوضيًا واحدًا أم عدة ملفات. وتُطرح تساؤلات حول الأولويات: هل هي للملف النووي حسب الجانب الأميركي؟ أم للاقتصاد، وإسرائيل، ووكلاء إيران في المنطقة، ثم الملف النووي؟ وترى إيران أن المفاوضات تتعلق برفع العقوبات الأميركية وسلامة برنامجها النووي، وترفض مناقشة ملفات لا تمتّ بصلة لذلك، مؤكدة عدم تخليها عن مبادئها في دعم الأصدقاء والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية.

وكان ترامب قد وجّه في آذار/مارس الماضي رسالة إلى طهران يدعوها إلى إجراء مباحثات بشأن برنامجها النووي، محذرًا في الوقت نفسه من تعرضها للقصف إن فشل التفاوض، قائلاً: "إيران لا يمكن أن تملك سلاحًا نوويًا، وإذا لم تنجح المحادثات، أعتقد أنه سيكون يومًا سيئًا للغاية لإيران". وأشار مسؤولون في إدارة ترامب إلى أن الضربات الأميركية على مواقع لجماعة الحوثيين في اليمن خلال الأسابيع الماضية، كانت رسالة تحذير إلى طهران، وروّجوا أن هذه المفاوضات ستكون الفرصة الأخيرة لتفادي تطور الأزمة إلى حرب.

في المقابل، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن تهديدات واشنطن "لن توصلها إلى أي مبتغى"، فيما حذّر علي لاريجاني، مستشار المرشد، من أن طهران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكن "لن يكون أمامها خيار سوى القيام بذلك إن تعرّضت لهجوم".

وكانت إيران قد عادت إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من المسموح به في اتفاق عام 2015 خلال عهد الرئيس أوباما، عقب انسحاب ترامب من الاتفاق في 8/5/2018. وكان الاتفاق المكوّن من 159 صفحة قد تم التفاوض عليه على مدى ثلاث سنوات، وسبق أن خفضت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 3.67% بعد أن كانت 20%، لكن الآن وصلت النسبة إلى 60%. وقد عبّر مسؤول إيراني عن أن طهران لا تجد منطقيًا التراجع إلى مستويات منخفضة في المرحلة الراهنة.

وخلال حملته الانتخابية، هاجم ترامب الاتفاق النووي، واصفًا إياه بأنه "الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة"، وأعلن انسحاب بلاده منه، ووقّع مذكرة رئاسية لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني، شملت كل القطاعات، بما في ذلك تجميد الأرصدة المالية الإيرانية، والتي تطالب طهران الآن بالإفراج عنها.

وُصف قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي بأنه خطأ جسيم. وبعد سبع سنوات من تمزيق الاتفاق، باتت إيران أقرب من أي وقت مضى لإنتاج سلاح نووي، ولا يُتوقع أن ينجح ترامب في إبرام اتفاق جديد أشد من اتفاق أوباما، خاصة إذا شمل تفكيك المنشآت النووية بالكامل، وهو ما تطالب به إسرائيل.

تتّهم الولايات المتحدة طهران بالسعي إلى التزوّد بالسلاح النووي، بينما تنفي إيران ذلك، وتؤكد أن برنامجها النووي لأغراض سلمية. وتريد حصر المفاوضات بالملف النووي، بينما ترفع إدارة ترامب سقف مطالبها، لتشمل برنامج الصواريخ الباليستية، والاستقرار الإقليمي، والنفوذ الإيراني، ودعم الجماعات المتحالفة معها في لبنان واليمن والعراق. هذه المطالب قد تُفشل المفاوضات وتدفع نحو التصعيد العسكري. وقد أرسل ترامب رسالة لطهران يمنحها فيها مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، مهددًا بالحرب إن لم يتم ذلك.

وترى إيران أن التوصل إلى اتفاق خلال شهرين أمر مستبعد، بالنظر إلى سنوات طويلة من المحادثات السابقة وما شهدته من عقبات وتقدم وتراجع، ما يؤكد أن الوصول إلى اتفاق جديد لن يكون سهلًا، ويحتاج إلى وقت وجهد كبيرين. كما يصعب التكهّن بإمكانية تحقيق نتائج سريعة في مفاوضات عُمان.

يرتبط الإلحاح الأميركي بالحصول على نتائج عاجلة بالاعتقاد أن إيران تمر في حالة ضعف، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني لصالح تركيا، وخسارة حزب الله للعمق الاستراتيجي، وتعرض الحوثيين لضربات أميركية قاسية. بينما تتحدث مصادر أخرى عن قوة إيران، وتطور قدراتها العسكرية، واستعدادها لردع أي عدوان أميركي أو إسرائيلي، واستعدادها للسيناريوهات الأسوأ.

وكانت الولايات المتحدة قد اغتالت قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، خدمةً لإسرائيل، التي تطالب بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، رغم أن طهران أكدت سلميته. وقد لعب سليماني دورًا كبيرًا في دعم وتدريب الفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وقد أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب إلى تصعيد التوتر. وأعلنت إيران رفع درجة الاستنفار، وتجهيز قواتها الصاروخية لضرب أهداف أميركية في الشرق الأوسط عند الحاجة.

تسعى إيران إلى مفاوضات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل، مقابل تقديم تنازلات في برنامجها النووي، بما يضمن لها امتيازات اقتصادية واضحة، ويمنع استخدام الملف النووي كذريعة للإبقاء على العقوبات وإضعاف إيران.

تركز الولايات المتحدة في المفاوضات المقبلة على تقليص النفوذ الإيراني وتقييد برامجها النووية والعسكرية، مقابل تخفيف العقوبات في مجالات مثل النفط والبنوك والتجارة، ما يتيح لطهران تحسين وضعها الاقتصادي. وتصر إيران على ضمان تنفيذ أي اتفاق جديد وعدم الانقلاب عليه، خاصة مع تاريخ ترامب في التراجع عن التعهدات.

وقد نجحت سلطنة عُمان في تنظيم أولى جلسات التفاوض غير المباشر، التي استمرت ساعتين ونصف، أعقبها اتصال مباشر لبناء الثقة، في خطوة مهمة نحو مفاوضات أوسع. ومن المتوقع عقد اجتماع جديد يوم السبت 19 نيسان الجاري.

وإذا لم يرضِ الاتفاق إسرائيل، فهذا يفسر جزئيًا لماذا بدا الإعلان عن المفاوضات مفاجئًا لنتنياهو الذي لم يكن على علم مسبق بالترتيبات. وتعارض إسرائيل أي اتفاق لا يجرّد إيران كليًا من قدراتها النووية والصاروخية. وقال نتنياهو: "إذا كانت الدبلوماسية قادرة على منع طهران من امتلاك أسلحة نووية بشكل كامل، كما حدث في ليبيا، فإنني أعتقد أن هذا سيكون أمرًا جيدًا"، لكنه يفضل الحسم العسكري. وتعتبر إسرائيل أن نفوذ إيران الإقليمي يشكل تهديدًا كبيرًا، وتسعى إلى إضعافها سياسيًا وعسكريًا.

وقد تبادلت إيران وإسرائيل خلال العام الماضي الهجمات الصاروخية، وأطلقت إيران مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة باتجاه أهداف إسرائيلية. وتُراهن إسرائيل على عودة ترامب إلى البيت الأبيض لتنسيق ضربات عسكرية مشتركة، لكن الولايات المتحدة لا تشاركها بالكامل هذه الرؤية.


_

أسامة خليفة

Comments


bottom of page