بعد 45 يومًا من الاعتقال والتعذيب و15 يوما على حريته، التقى الطبيب الفلسطيني سعيد معروف بنجله ضياء، بالصدفة، وسط أجواء مُفعمةٍ بالعواطفِ في مستشفى العودة للأطفال بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وكان الطبيبُ ونجله قد تعرّضا للاعتقال من داخل المستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة، حيث تمّ تقييدهم وعصب أعينهم وتعرضوا للتعذيب من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتفرق الأب ونجله عقب الاعتقال وعاشا تجربة اعتقال وفراق قاسية. يقول معروف بنبرة ألم “لحظة الاعتقال مع نجلي من داخل المستشفى كانت مروعة، حيث كانت الأجواء مرعبة وجنود الاحتلال كانوا يتعامون معنا بشكل غير انساني”.

ويضيف معروف الذي يعمل في وزارة الصحة منذ 23 عامًا “بعد تقييدنا وعصب أعيننا فقدت التواصل مع ابني والأطباء والممرضين الآخرين وبدأت رحلة العذاب التي لا تنتهي”.

ويروي الطبيب الفلسطيني معاناته والمعتقلين في معتقلات الاحتلال، ويقول إن سجانيه دأبوا على ركلهم وترويعهم بشكل مستمر بينما كان الطعام شحيحا جدًا ومن يطلب أن يشرب الماء كان يعذب بطريقة مهينة.

ويتابع واصفًا ظروف التعذيب: “السجانون نقلونا إلى مكان أرضيته من الحصى دون فراش أو وسادة أو غطاء ووسط دوي موسيقى صاخبة جدًا وأمرونا بالنوم”.

فقدت الطبيب معروف خلال 45 يوماً أكثر من 25 كيلوغراماً من وزنه كما فقد الاتزان، والتركيز، وهي أعراض تصيب جميع من اعتقلهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

ويوضح الطبيب الفلسطيني أن أي حديث جانبي من الأسرى الآخرين أو طلب الحصول على الماء أو الدواء خلال فترة الاحتجاز كان يعرض صاحبه لحفلة من الركل والتعذيب.

ويؤكد معروف أن المحنة التي تعرض لها لا يمكن وصفها بالكلام، وقائل متسائلًا كيف تصف التعذيب وكيف تصف الإهانة داخل السجون؟ لن يصل إلى الحقيقة إلا من عاشها”.

ويشير إلى أن مئات الأسرى الآخرين ما زالوا في معسكرات الاعتقال في داخل ومحيط قطاع غزة ويتعرضون لأشد صنوف التعذيب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. 

وأثناء اقتحام جيش الاحتلال مقر المستشفى التي يعمل فيها معروف ويقيم فيها نجله ضياء يوم 18 ديسمبر، كانون الأول الماضي، تلقى الرجل اتصالًا هاتفية من ابنته أبلغته خلاله أن القصف الإسرائيلي اقترب من المنزل الذي نزحت إليه في مدينة غزة.

وعن ذلك يقول “طلبت منها الهدوء وتهدئة أمها وأشقائها الخمسة واستشارة خالها صاحبة المنزل من أجل وضع خطة للخروج والنجاة من القصف”.

ويضيف معروف الذي كان يقطن في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة قبل الحرب “بعد هذا الاتصال فقدت التواصل مع عائلتي النازحة، ومع ابني الذي كان يرافقني في المستشفى، ويعمل كممرض رغم أنه التحق بكلية الطب لشهر واحدا فقط، بعد حصوله على معدل 99 بالمئة في الثانوية العامة العام الماضي”.

وعن لقائهم بنجله بعد محنة الأسر، يقول معروف “عندما أطلق سراحي سألت عن نجلي ضياء، لكن لم أحصل على أي إجابة من أحد”.

ويوضح أنه جرى نقله من معبر كرم أبو سالم إلى مستشفى أبو يوسف النجار بعربة إسعاف حيث كان يعاني من إعياء وهزلان شديدان.

ويشير إلى أنه أمضى يوما واحدا على سرير الاستشفاء، وفي اليوم التالي عاد ليمارس عمله كطبيب أطفال في المستشفى ويقدم الاستشارات لذوي الأطفال على مدار الساعة.

ويقول معروف: “لم أُفكر للحظةٍ في التخلي عن عملي، فخدمة المرضى هي رسالتي في الحياة.” مضيفًا: “ما حدث لي لن يُثنيني عن الاستمرار في عملي، بل سيُعزّز من إصراري على مساعدة المحتاجين.”

وبعد أسبوعين على خروجه من سجون الاحتلال، التقى معروف بنجله الذي لم يجد مكانًا يأوي إليه، ممّا زاد من معاناته، كما تحدث عبر الهاتف مع زوجته وأطفاله الآخرين حيث يعانون من الجوع بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على مدينة غزة وشمال القطاع.

وقال ضياء نجل معروف إنه اعتقل ليوم واحد ونظرًا لسنه الصغير، أطلق الاحتلال سراحه عند ميدان الكويت بمدينة غزة وأمره بالتواجه إلى جنوب القطاع.

وأضاف ضياء (17 عامًا) أنه ظل يسير حافي القدمين حتى وصل إلى مخيم النصيرات حيث عاش بلا مأوى لثلاثة أيام ثم التقى بأحد أقربائه وعاش معه في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين في المخيم.

وأوضح أن غادر إلى رفح بعد أن علم من وسائل الإعلام بخبر الإفراج عن والده لكنه طوال الرحلة لم يكن يعلم كيف سوف يصل إلى والده حيث لم يزر المدينة الحدودية قط في حياته.

ويشير إلى أن القدر كان رحيمًا بع، إذ أنه عندما قفز من الحافلة في ميدان المدينة الرئيسي التقي بابن عمله والذي بدورة اصطحبه إلى مكان عمل والده.

وبعد دقائق معدودة وصل ضياء وابن عمه إلى المستشفى، حيث قفز الطبيب من مقعده عندما شاهد نجله واحتضنه وسط أجواء مُفعمةٍ بالعواطفِ